الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية دراما رمضان 2016 تشوه الواقع التونسي: بين العنف والقتل.. والإيحاءات الجنسية والمشاهد الساخنة

نشر في  29 جوان 2016  (10:46)

ضرب وقتل وتشويه وجثث بشرية... زطلة وخمر وعلب ليلية وعري مبالغ فيه... وشم وايحاءات جنسية واغتصاب ومتاجرة بالنساء .. مافيا وتحيّل ومال فاسد .. أطفال دون زواج وزناء وعلاقات غير شرعية.. هذا  أبرز ما حملته الدراما الرمضانية 2016 .. مسلسلات لم تتنافس هذا الموسم على حرفية الانتاج، وجودة الاخراج وتفرّد المواضيع بل على العنف الجسدي واللفظي والنفسي الذي لم يكن موظفا بطريقة مثلى في السياق الدرامي، فبدا وكأنه مجاني ومبالغ فيه، وهو ما يترك التأثير السلبي على فئات واسعة من المشاهدين، وخاصة منها الشرائح الاجتماعية الهشة، مثل الأطفال والمراهقين .
ولئن عرفت الدراما التونسية في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في طرح المواضيع، ومعالجة ظواهر كنا نعتقد انها تابوهات، حيث رأينا دراما تتحدث عن فساد رجال السياسة ورجال الأعمال والمتاجرة بالأعضاء، فان  مسلسلات هذا العام  أخذت منحى جديدا تجاوزت فيه الجرأة الى الوقاحة احيانا، فاضافة الى الألفاظ  النابية التي غزت الشاشة الصغيرة نجد المشاهد الساخنة والقبل والعلاقات الحميمة دون أدنى مراعاة للعائلات التونسية التي بدأت تتجنب «شر» القنوات التونسية خلال شهر رمضان بعد ان كانت التلفزة طيلة سنوات مصدر الترفيه الوحيد للعائلة التونسية ..
 من جهة اخرى نشير الى أن المتابع للدراما الرمضانية يلاحظ انها لم تقتصر هذه السنة على  قضايا الدعارة والمخدرات والخمر والإيحاءات الجنسية والعلاقات غير الشرعية بل تجاوزت ذلك الى القتل والاعتداءات الجسدية، وباتت مشاهد العنف العنوان الرئيسي لدراما 2016.
صحيح أن الفن يجب ألا يخضع لضوابط اخلاقية لكن عندما يتجاوز الامر المسرح والسينما ويصل الى القنوات التلفزية التي تقتحم البيوت التونسية، فمن حقنا انتقاد مثل هذه الظواهر الخطيرة التي تروّج لها الاعمال الدرامية، وهنا نشير الى أن طبيعة الطفل في السنوات الـ10 الأولى من حياته، تتأثر بوالديه اولا وبما يشاهده على قنوات التلفيزيون، وبالتالي يمكن اعتبار التلفزة ثاني مؤثر على شخصية الطفل.

الايحاءات الجنسية والمشاهد الساخنة

طغت على دراما رمضان 2016، وبشكل لافت للانتباه سواء على مستوى المسلسلات او السيتكومات، الايحاءات الجنسية وجاء معظمها مسقطا ولا يخدم التسلسل الدرامي، ولعل ما انفردت به دراما هذه السنة هو خلقها لمعجم جديدة من العبارات النابية والتي بات الشباب وحتى الأطفال يكررونها بوعي ودونه في الشارع، وهنا نتحدث على سبيل المثال عمّا جادت به قريحة كاتب سيناريو سيتكوم «دنيا أخرى» او سلسلة «بوليس» وهنا نشير الى الضجة التي خلفتها الحلقة الخاصة بالفياغرا وما تضمنته من ايحاءات، هذا دون ان ننسى ما جاء في مسلسل أولاد مفيدة من بعض العبارات النابية و»السوقية».
واضافة الى الايحاءات طغت على دراما 2016 مشاهد ساخنة وجرأة كبيرة وهو ما لمسناه في مسلسل «الأكابر» و»أولاد مفيدة» وخاصة في مسلسل «فلاش باك» الذي يبث حاليا على قناة الحوار التونسي، والذي تجاوز بما مرره كل الخطوط الحمراء.

المرأة والنظرة الدونية

لاحظ كل متابع لدراما رمضان 2016 اتفاق جل الأعمال على تقديم المرأة التونسي في صورة مشوّهة ولا تليق بها، فرأيناها أما عزباء وامرأة تتاجر بجسدها واستغلالية وعديمة الشخصية ومتحيلة وزانية، وفتاة لا همّ لها سوى ربح المال وسكّيرة ومهملة وسليطة اللسان ومستهترة، وكأن جل المخرجين اتفقوا على تسويق نظرة دونية للمرأة التونسية واستغلالها لاغراض تجارية بحتة، فغابت المرأة المناضلة المكافحة والكادحة  

القتل والعنف

لم يقتصر العنف اللفظي والمادي على الاعمال الدرامية بل طال حتى الكوميديا وهو ما شاهدناه في سيتكوم «دنيا أخرى» و»بوليس» كما طغت مشاهد القتل على معظم الاعمال، وهنا نشير الى أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) اعتبرت مسلسل «أولاد مفيدة» الذي يبث على قناة الحوار التونسي، يحتوي على مضامين من شانها أن تكون صادمة لبعض الفئات الاجتماعية، ومن شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على فئة الأطفال والمراهقين خاصة وأنه يعرض في وقت الذروة.
ولفتت الهيئة نظر القناة إلى ضرورة أن يكتب على كامل الشاشة وبخط واضح «هذا البرنامج غير مناسب للأطفال دون سن 12» لمدة 10 ثواني وذلك قبل عرض حلقة المسلسل، وأن توضع علامة أسفل الشاشة،  طيلة عرض الحلقة  تفيد أن البرنامج  ممنوع على من سنهم أقل من 12 سنة.

الدكتور سامي نصر (علم الإجتماع الإجرامي): ما يمرر في قنواتنا خطير جدا  

وفي تصريح خص به اخبار الجمهورية، أكد الدكتور سامي نصر المختص في علم الإجتماع الإجرامي، ان ما يبث على القنوات التونسية من عنف وجريمة امر في غاية الخطورة، مشيرا الى ان دراما رمضان تعتبر من أهم منتجي ثقافة العنف، وانها لا تساهم فقط في انتشاره بل تبرره كذلك، وافادنا الدكتور نصر ان المتلقي يتدخل في ما هو خارجي اي يتبنى كل ما يمرر ثم يحاول اعادة انتاجه واستبطانه، اي البرمجة الذهنية لجاكوب مورينو ومفهوم «الهابيتوس» لبيار بورديو.
وذكر الدكتور سامي نصر ان بلادنا تمر بوضعية اجتماعية صعبة جدّا ولّدت لدى المواطن شحنة من العنف قد تنفجر في اي لحظة، مبينا أن الاعمال الدرامية والفنية بصفة عامة من المفروض ان تمتص هذه الشحنة وليس ان تغذيها، مضيفا ان ما يمرر اليوم في المسلسلات من عنف لو وقع تمريره في وضعية اجتماعية مغايرة لما كان نفس الأثر، معللا ذلك بكون عدد الجرائم قد ارتفع بشكل كبير في السنوات الاخيرة.
 ووذكر الدكتور نصر ان  المجتمعات في مرحلة ما بعد الثورات أو الانتفاضات الكبرى تعيش لفترة طويلة وضعية هشّة على مختلف المستويات وتفقد خلالها ما يمكن أن نسميه بـ«الوسائل الدفاعية الاجتماعية» أو ما يسميها دوركايم بالمناعة الاجتماعية وبالتالي إفرازات ومخلفات الظواهر الإجرامية تكون أكثر خطورة من المجتمعات المستقرة.
وافادنا محدثنا ان المتلقي والمشاهد عادة ما يتأثر بنجمه التلفزي ويحاول تقليده، مضيفا ان المغالاة في استعمال هؤلاء النجوم للعنف له اثر سلبي على معجبيهم ..
واشار في سياق حديثه الى سلسلة «هذوكم» التي تبث على قناة نسمة، موضحا ان هذه السلسلة تسلط الضوء على الظواهر الاجتماعية السلبية لكنها وفي نفس الوقت تعالج هذه الظاهر باستعمال العنف ..
واضاف الدكتور سامي أن وتيرة جرائم القتل ببلادنا تصاعدت في العشرية الأخيرة بشكل مخيف، فلا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا الصحف بوقائع جرائم خطيرة ومثيرة، مبينا ان نسبة نمو الجريمة قبل الثورة كانت في حدود الـ  5 بالمائة واليوم في حدود الـ 6 بالمائة...
وبالنسبة للسلوك العنفي في الدراما الرمضانية لاحظ الدكتور أننا تجاوزنا كل المراحل السابقة وعلى أبواب دخول مرحلة «الثقافة العنفية».
وختم الدكتور سامي نصر كلامه بتأكيده على ان الإعلام التونسي يلعب دورا رئيسيا في نشر ثقافة العنف من خلال بعض البرامج الحوارية، وما يبث للاطفال، حيث اثبتت دراسة قام بها الدكتور سامي نصر أن 80 بالمائة مما يبث للاطفال يتضمن رسائل عنيفة وتستحوذ الاشرطة والمسلسلات على نسبة 75 بالمائة معللا ذلك بعدم الحرفية في نقل أخبار الجريمة، وبانعكاسات ثقافة «البوز» والركض وراء الرفع في نسب المشاهدة او المتابعة.

الدكتورة فتحية السعيدي (علم النفس): أعمال خالية من الرسائل الايجابية

من جهتها بينت الدكتورة فتحية السعيدي المختصة في علم النفس الاجتماعي ان دراما رمضان 2016 احتوت على الكثير من مشاهد العنف، كما رسخت صورة دونية عن المرأة، مبينة ان هذه المشاهد من شأنها التأثير على المجتمع بصفة عامة وعلى الطفل بصفة خاصة، لانها تنتج لديه ما يسمى في علم النفس الاجتماعي المخيالية الذهنية، أي أن الطفل يختزل كل تلك الصور ويحاول انتاجها، مضيفة بأن الاطفال هم الاكثر تأثرا بما يمرر، واشارت الدكتورة فتحية الى أنها سبق ان انجزت دراسة حول مسلسل «الخطاب على الباب» وتوجهت بدراستها الى الفئة العمرية من 12 الى 16 سنة، مضيفة ان الشخصيات التي رسخت بمخيلتهم هي النماذج السيئة بالعمل .
من جهة اخرى لاحظت الدكتورة ان الاعمال الرمضانية كلها سلبية وتفتقر الى رسائل ايجابية، واستشهدت بمسلسل «وردة وكتاب « الذي تبثه القناة الوطنية حيث ذكرت ان هذا العمل يوثق لمرحلة معينة من تاريخ تونس، لكنه لم يكن وفيا للحقيقة وهو ما من شأنه ان يخلق تشويشا ونوعا من الغموض على ما حدث مع ترسيخه لقراءة واحدة..
اما بالنسبة لمسلسل «اولاد مفيدة» فذكرت ان هذا العمل يرسخ سلوكات خطيرة على نفسية المتلقي وخاصة المراهق والطفل لما احتواه من الفاظ سوقية وعنف مادي .

اعداد: سناء الماجري